العديد من الأسئلة بدأت تطرح بالأمس بعد محاولة الإغتيال التي تعرض لها إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود، لا سيما أن الهدف منها كان واضحاً، بعد أن وجهت له الكثير من الرسائل في وقت سابق، على إعتبار أن وجود شخصيات وقوى رافضة لتوجه التيار العام الذي بات يسيطر على الساحة السنية أمر مرفوض منذ مدة، والخطر الأكبر من وجهة نظر هذا التيار هو تلك الشخصيات المتحالفة مع "حزب الله".
"التطهير" عبارة لم تقفز إلى الواجهة يوم أمس، كانت موجودة منذ مدة بشكل علني في أكثر من مكان، وتم الحديث عنها أكثر من مرة من قبل بعض الشخصيات، وطرابلس كانت واحدة من المدن المطلوب "تطهيرها" من القوى "المعادية"، ولكن هل بدأ التنفيذ عملياً من خلال التصفيات الجسدية؟
توجه عام
محاولة الإغتيال التي تعرض لها الشيخ حمود، لا يمكن فصلها عمّا يجري من أحداث في المنطقة، على إعتبار أن الأسلوب واحد من العراق إلى مصر إلى تونس وصولاً إلى سوريا، التي شهدت محاولات إغتيال رجال دين في الفترة الأخيرة.
وهذا الأمر، بحسب ما ترى مصادر متابعة لهذه الأحداث، هو توجه عام عند التيارات التكفيرية التي ترفض الآخر، حتى لو كان من "أهل بيتها"، لا بل هذا الآخر هو الأخطر من وجهة نظرها، كونه يعمل على ساحتها الخاصة. وفي الصراع الكبير المشتعل الذي يأخذ طابعاً مذهبياً بين السنة والشيعة، يُعتبر القضاء على هؤلاء أمرا مباحا، وتذكر المصادر بالذي حصل مع العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وبالتهديدات الكثيرة التي تلقاها أكثر من مرة مفتي سوريا الشيخ أحمد حسون.
ومن وجهة نظر المصادر نفسها، لم يكن لبنان بعيداً عن هذه التيارات التي تجتاح المنطقة، وهي موجودة بشكل لافت في أكثر من منطقة، من العرقوب جنوباً إلى عكار شمالاً، مروراً بصيدا وبيروت والبقاع وطرابلس، وغيرها من المناطق التي ينشط فيها هؤلاء، وعملهم لم يعد سرياً، بل هم واضحون في خطابهم، وفي منطلقاتهم الفكرية، ولديهم الكثير من الحجج الدينية التي يستندون إليها.
"التطهير" لبنانياً
بالعودة إلى محاولة إغتيال الشيخ حمود، تؤكد المصادر المتابعة أن عملية "التطهير" على الساحة اللبنانية بدأت منذ مدة، وتشير إلى التهديدات التي تلقاها بعض المشايخ في الفترة السابقة، والذين كان حمود واحداً منهم، وتلفت إلى أن بعضها كان علنياً، في حين أن الكثير منها كان بالسر، من خلال التحريض الذي كان يغزو الجلسات الخاصة، وتذكر بالذي حصل قبل مدة في مدينة طرابلس، حيث قام وفد من بعض المشايخ بجولة على العديد من الشخصيات والقوى من أجل دعوتها إلى العودة إلى الوقوف في الخط الواحد.
بالإضافة إلى ذلك، تتحدث المصادر نفسها عن الكثير من المضايقات التي يتعرض لها معارضو هذه التيارات، من خلال حملات التخوين التي تجتاح مواقع التواصل الإجتماعي، وتصل إلى بعض المساجد، وصولاً إلى الخطابات السياسية التي تحمل تهديدات مبطنة، يتم الرجوع عنها بعد تحقيق هدفها.
وترى المصادر أن هذا النهج مستمر في العمل، ولن يبقى خجولاً طويلاً، وما حصل مع الشيخ حمود سيكون من ضمن مسلسل طويل لن ينتهي في وقت قريب، وتوضح أن مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني نفسه لم توفره هذه الحملات، فهو بين ليلة وضحاها تحول إلى "خائن" تطلق بحقه أبشع الأوصاف، وبات من وجهة نظر هذه التيارات لا يؤمن مصلحة الطائفة، لا سيما بعد أن رفض التعرض لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عند تكليفه وبعد تشكيله الحكومة المستقيلة، ومن ثم بعد اللقاءات التي عقدها مع السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في دار الفتوى، وتضيف: "هذا التوجه لن يوفر أحداً بحال عدم مواجهته من قبل جميع القوى".
في المحصلة، هناك فريق على الساحة السنية يريد العمل على "تطهيرها" من قوى يعتبرها "معادية" له، وربما هو لا يقصد الوصول إلى مرحلة التصفية الجسدية كما حصل مع الشيخ حمود، لكنه من دون أدنى شك حضر الأجواء لمن يريد القيام بذلك من دون صعوبات، فهل هي فعلاً حملة "تطهير" بدأت أم أن هناك فريقاً ثالثاً يريد العمل على إشعال الفتنة؟